Monday, 2 November 2015 - 12:00am
مسيرة خجولة انطلقت أمس من سد البوشرية باتجاه نهر بيروت بدعوة من مجموعات الحراك الشعبي باستثناء حملتي «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب». أراد المشاركون أن يلتقوا مع أهالي المناطق التي تعاني من أزمة النفايات، ولا سيما المناطق التي طافت فيها النفايات مع سيول الأمطار، ليؤكدوا لهم وقوفهم معهم، إلا أن الأهالي خذلوهم فآثروا التظاهر «على الشرفات»
طرقات سد البوشرية نظيفة، لا نفايات على جانبها، فالبلدية قامت بما تيسّر لها من إمكانات لإزالة أكياس النفايات من بين البيوت. لكن، ليلاً، لا يمكن المرور في أحياء المنطقة. الروائح المنبعثة تنشط مساءً مع هبوب نسمات الهواء التي تحملها من المنطقة الصناعية المجاورة إلى داخل كل بيت.
هناك، في المنطقة الصناعية وعلى مساحة 6 آلاف متر، تشكّل على غفلة جبل ضخم من النفايات. تراكمت الأكياس على مدى أربعة أشهر حتى بلغ الجبل المستحدث قدرة استيعابه القصوى، فبات البحث عن مكب آخر ضرورياً. الذباب يسيطر على الأحياء ليلاً ونهاراً، ينتشر في كل مكان، حتى أنّ السكان باتوا يتجنبون فتح نوافذ المنازل، لكن الدخان الناتج من حرق النفايات يشكّل العنصر الأكثر إزعاجاً لهم. لا ساعات محددة لحرق مزبلة، فجأة تتصاعد النيران من كومة نفايات في زاوية الشارع، يُغلق الناس أبوابهم وينتظرون. «مش عم ننام بالليل من ورا البرغش وريحة الحريق والزبالة»، تقول إحدى السيدات الجالسة أمام مدخل منزلها فرحةً بمجموعات الحراك الشعبي التي حطّت رحالها أمس في منطقة سد البوشرية في مسيرة بعنوان «ضد المرض». لا تنام هذه السيدة جراء أزمة النفايات، لكنها في الوقت نفسه لم تلبِّ دعوة الحراك إلى التظاهر لحل أزمة النفايات. لماذا؟ لا تدري، تفكّر قليلاً بحثاً عن حجة مناسبة لمن يسأل، فتقول أخيراً إنّها تدعم الحراك «وقلبها معهم» لكن «الناس ملّوا من التظاهرات التي لم تحقق شيئاً حتى اليوم»، علماً بأنها لم تشارك من قبل في أي تظاهرة للحراك.
هدف المسيرة التفاعل مع الأهالي وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم
سيدة أخرى تقف في الجهة المقابلة، تنظر إلى الناس الذين بدأوا بالتوافد عند الثالثة ظهراً إلى نقطة التجمع أمام منزلها. سؤالٌ واحد عن أزمة النفايات كافٍ كي تبدأ ندبية طويلة عن معاناتها، لكنها بدورها لم تشارك، «مندعم من بعيد»، تقول مبتسمة. تنظر إلى الأعلى، فيتأكد المشهد المؤلم. بنايتان كاملتان الجميع فيهما على شرفاتهم، أطفال ونساء ورجال وشبان ومسنون ملأوا شرفات بيوتهم وكأنها تظاهرة على «البلكون»؛ الجميع متضرر والجميع أيضاً «يدعم من بعيد».
من سد البوشرية «المنكوبة بسيول النفايات» كما ورد في بيان الحراك، مروراً بالدورة وصولاً إلى برج حمود وقف الناس على «بلكوناتهم». بحّ صوت سامر مازح، مردد شعارات الحراك، وهو يطالب طوال المسيرة «الواقف على البلكون» بأن «ينزل ويلاقي شعبه هون»، لكن لا تجاوب. الناس يرقصون على الشرفات على وقع أغاني الحراك، يصوّرون المسيرة بهواتفهم ويتفاعلون مع المتظاهرين. أقصى ما تمكّن مازح ورفاقه من تحقيقه هو دفع البعض إلى النزول إلى مدخل البناية والوقوف هناك ثم العودة إلى الشرفات مجدداً. لهؤلاء حججهم المختلفة وغير المقنعة أيضاً: «ما كنا عارفين هلق سمعنا الأصوات»، «هلق خلصنا أكل»، «نحنا معن بس ما رح يتغير شي»، «ما فيي إمشي طويلة الطريق»، «فاكشة إيدي»... إحدى «متظاهرات البلكون» تُخبر المارين أسفل بيتها وهي تشير إلى المكب المقابل لها أنّ «هذا المكب كارثة صحية، منذ 5 أيام فقط رشوا كلس بس البرغش منتشر». هكذا إذاً خذل أهالي المناطق المستهدفة مجموعات الحراك الذين كان هدفهم من المسيرة التفاعل مع الأهالي وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم.
انطلقت المسيرة عند الثالثة والنصف، نزل عدد قليل جداً من الأهالي إلى الشارع وكانوا متحمسين. عند سؤال إحدى شابات المنطقة عن سبب عدم مشاركة الأهالي تقول: «ما بعرف! شعب مخدّر». يُسقط محيي الدين أبو ضهر، الناشط في مجموعة «ضد الفساد-صيدا»، تجربته في صيدا على ما يراه في المسيرة، يقول: «صرنا عاملين 3 تحركات بصيدا على جبل الزبالة ما حدا من الأهالي شارك. الناس آخر همها وهون نفس الشي، بس نحنا مصرّين وجينا من صيدا لنتضامن مع أهالي البوشرية».
وفدٌ يتيم من مخاتير وأعضاء بلدية جديدة - البوشرية - السد شارك في المسيرة ومشى خلف المتظاهرين ممثلاً الأهالي، تماماً مثلما فعلت حملتا «بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكم» اللتان لم تدعوا إلى المشاركة على صفحاتهما على الفايسبوك، مكتفيتين بمشاركة «تمثيلية» خجولة جداً لحفظ ماء الوجه. وصلت المسيرة الصغيرة إلى نهر بيروت وانبعثت الروائح بقوة. بيان الحراك أعاد التذكير بمشاكل البلد من كهرباء ومياه وطرقات ونقل عام وفساد، مؤكداً أن المطلوب «إقرار مراسيم ضمن سياسية بيئية مستدامة وإلغاء كافة عقود سوكلين ومحاسبة من لزّمها».
لبنان ACGEN الأخبار مجتمع مدني